}ولما رأيت الجهل في الناس فاشياً{
يُذكَر أن مريضاً نفسياً كان يتوهم أنه حَبَّةٌ؛ فإذا مرَّ به دجاجٌ فَرَّمنها؛ خشية أن تعدو عليه وتأكله .
فلما رأى حالَه بعضُ محبيه ذهببه إلى طبيب نفسي؛ فشرح هذا المريض للطبيب مشكلته، وبعد جُهْدٍ ولأْيٍ ، أقنعه الطبيب بأنه إنسان سوي .
ولما هم المريضُ بالانصراف قال: أنا_أيها الطبيب_ اقتنعتُ بأنني إنسانٌ لا حَبَّةٌ, ولكن من يقنع الدجاج بذلك؟
هذه الحكاية تذكرك بأناس عقلاءأسوياء ذوي أخلاق كريمة، ونفوس مطمئنة .
ولكنهم يبتلون بأناس شرسين سيِّئي الظن؛ فإذا عاملهم العاقل السوي، المهذب الراقي بما تقتضيه طبيعته ظنوا ذلك منه سذاجة أو بلاهة، وربما ظنوه تملقاً ومكراً، ومكايدة؛ فلهذا تراه يحار، ويقول: إنني على خطأ، وإن القوم ربما استضعفوني؛ فلا أريد أن يَشْمَتَ بي الأعداء،ويجعلوني سُبَّةً؛ فتقول له: أنت اليد العليا، وأنت المحسن، وأنت ا لكريم.
فيقول لك: إذاً فمن يقنع هؤلاء بسلامة مقصدي، وطهارة سريرتي؛ فَدْعَنِي وشأني؛ فَسأُغَيِّرُ طباعي، وألبس لهم لَبُوسَهم متمثلاً بقول أبي العلاء :
ولما رأيت الجهل في الناس فاشياً *** تجاهلت حتى ظُنَّ أني جاهل
وبَعْدُ فهذه الحالة تعتري كثيراً من النفوس؛فتهبط بها عن عليائها، ويصبح الناس قطعاناً من الذئاب الضارية ، فلا مروءة، ولاتذمم، ولا رعاية، ولا تكرم .
فحق على الكريم العاقل أن يعتصم بالفضيلة، ولا يثنيه عنها جهل جاهل، أو تنكرحاسد .
وإذا اعترضتك مثل هذه الأحوال فاحتفظ بألمعيتك، وطهارة قلبك ومنطقك.
وإذا لم يُعْرَفْ قدُرك فيكفيك عِلْمَ الله بك،ولن تعدم مَنْ يقدرون المكارم قدرها؛ فـ [خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ] واستحضر أنك بإِحسانك إلى الناس، وإساءتهم إليك - أنك كمن يُسِفُّهم الملَّ، ولا يزال معك من الله ظهير .
منقول من كتاب خواطر
للشيخ / محمد بن إبراهيم الحمد
مما راااااااق لي